معالم المسيرة الحضارية للطيران المدني في المملكة


البدايات:
انطلاقاً من قناعة الملك عبد العزيز رحمه الله بأهمية الطيران المدني، كعنصر ضروري لتحقيق النهضة الحضارية التي استهدفها للبلاد، وضع رحمه الله اللبنات الأولى لقطاع الطيران المدني، فبعد أن وصلت طائرته الخاصة المهداة له من الرئيس الأمريكي روزفلت ــــ على إثر لقائهما التاريخي في شهر فبراير عام 1945م ــــ أهدى صقر الجزيرة هذه الطائرة لشعب المملكة، وقد بدأت تلك الطائرة برحلات داخلية بين الرياض وجدة والظهران، وكانت من طراز (داكوتا دي سي3) من إنتاج شركة دوجلاس الأمريكية، والتي وصلت إلى أرض المملكة، وتحديداً في مدينة جدة، في عام 1945م.
بعد أشهر قليلة من وصول الطائرة سالفة الذكر أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بشراء طائرتين أخريين من نفس الطراز، وشكلت الطائرات الثلاث النواة الأولى للطيران المدني في البلاد. ومن ثم تأسست إدارة باسم (شعبة الطيران) تشرف على الشئون الفنية، أما الشئون الإدارية فتأسس لها إدارة باسم (إدارة طائرات الخطوط الجوية)، وفي عام 1948 أمر الملك عبد العزيز بتأسيس (مصلحة الطيران المدني) لتضم كلا من الخطوط السعودية وإدارة الطيران المدني.
وبعد الحرب العالمية الثانية أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بشراء خمس طائرات من طراز (داكوتا دو غلاس دي سي3) ثم أضيف إليها ست من نفس النوع، فثلاث أخر ثم خمس طائرات من طراز بريستول، وفي عام 1947م نُظمت رحلات مجدولة فيما بين جدة والرياض والهفوف والظهران، ورحلات دولية إلى كل من اللد وعمان وبيروت والقاهرة ودمشق.
وإدراكا من الملك عبد العزيز بأهمية تشريعات وأنظمة الطيران المدني شهد عام 1366هـ (1946م) أربعة أنظمة للطيران المدني وهي (نظام تعريفة رسوم المطارات ونظام الهبوط وعبور الطائرات ونظام إنشاء المطارات ونظام الملاحة الجوية)، وفي عام 1372هـ الموافق 1953م صدر مرسوم ملكي أقر نظام الطيران المدني المتكامل، والذي تضمن عددا من المواد المنظمة للحركة الجوية في إقليم المملكة الجوي ومطاراتها.
وقبل أن ينتقل الملك عبد العزيز لرحمة الله مع نهاية عام 1953م بلغ عدد الطائرات التي تمتلكها المملكة (32) طائرة، منها (10) من طراز (DC-3) و(5) من طراز (بريستول 170) و(7) من طراز (DC-4) و(10) من طراز (كونفير 340).
أبرز مراحل إنشاء المطارات في المملكة:         
بعدما تسلمت المملكة الطائرة المدنية الأولى سالفة الذكر، أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بإنشاء عدد من المدارج الترابية في أنحاء مختلفة من المملكة، كان في مقدمتها مدارج في الرياض والظهران والحوية بالطائف والهفوف وبريدة وجازان والخرج وعفيف، وكانت أول رحلة جوية قام بها الملك عبد العزيز رحمه الله في الخامس والعشرين من شهر شوال 1364هـ، الموافق 4/10/1945م وكانت من عفيف إلى الحوية بالطائف، كما تم إنشاء المزيد من المدارج في عدد من مناطق المملكة الأخرى عقب وصول الطائرتين الإضافيتين السابق الإشارة إليهما، ولقد شكل البعض من تلك المدارج مطارات ذات مرافق تتناسب مع ذلك العصر، سيرت منها وإليها الخطوط الجوية العربية السعودية رحلات جوية منتظمة.
بعد ذلك أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بإنشاء أول مطار متكامل حديث في المملكة وذلك في مدينة جدة والذي تم إنشاؤه في منطقة الكندرة وقد أقيم حفل افتتاحه في عام 1372هـ (1952م) برعاية الملك سعود بن عبد العزيز ــــ رحمه الله ــــ وكان آنذاك وليا للعهد.
وفي 17/4/1962م افتتح الملك سعود بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ مطار الظهران الدولي الجديد والذي استمر كمطار رئيس في المنطقة الشرقية حتى تم إنشاء مطار الملك فهد الدولي في موقع آخر بالمنطقة الشرقية، والذي افتتحه الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله في عام 1999م وكان آنذاك وليا للعهد.
وفي يوم الأحد 8 جمادى الآخرة 1401هـ الموافق 12 إبريل 1981م افتتح الملك خالد بن عبد العزيز ــــ رحمه الله ـــــ مطار الملك عبد العزيز الدولي ليحل محل مطار جدة القديم، أما مطار الملك خالد الدولي الذي حل محل مطار الرياض القديم فقد افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ــــ رحمه الله ــــ يوم الأربعاء 12 صفر 1404هـ الموافق 16 نوفمبر 1983م، وفي شهر جمادى الآخرة من عام 1427هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــــ رحمه الله ــــ بتحويل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الإقليمي إلى مطار دولي، وفي عام 2009 تم إنشاء وتشغيل مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز بالعلا.
التطور التنظيمي والإداري لقطاع الطيران المدني:
في عام 1379هـ الموافق 1959 تم فصل الخطوط السعودية عن الطيران المدني ليصبح المسمى الجديد للأخيرة (مديرية الطيران المدني)، وفي عام 1397هـ الموافق 1977م تم تغيير مسمى (مديرية الطيران المدني) إلى (رئاسة الطيران المدني)، وبموجب قرار مجلس الوزراء رقم (13) والذي صدر في السابع عشر من شهر محرم من عام (1425هـ) (2004م) تحولت رئاسة الطيران المدني إلى هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري لتعمل وفق أسس ومعايير تجارية، بهدف تحرير قطاع الطيران بالمملكة وتطويره، وتحقيق الاكتفاء الذاتي المالي، وذلك بالاعتماد على عوائده الذاتية لتغطية تكاليفه التشغيلية والاستثمارية بشكل تدريجي، وليصبح مسماها الجديد (الهيئة العامة للطيران المدني).
لقد ظل الطيران المدني منذ بداية تأسيسه عام 1948 تابعاً لوزارة الدفاع والطيران المدني حتى عام 1432هـ (2011م) حيث صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/230 وتاريخ 9/12/1432هـ والذي قضى بفصل الهيئة العامة للطيران المدني عن وزارة الدفاع، وإعادة رسم هيكلتها، ليمنحها ذلك المزيد من الاستقلالية وليمكنها من التحرك بانسيابية وتناغم لتطوير صناعة النقل الجوي في المملكة.
وفي 30/7/1437هـ (2016م) صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/133 والذي قضى في مادته رقم (23) بربط الهيئة العامة للطيران المدني بوزير النقل.
وفي 8/9/1437هـ الموافق 13/6/2016م أقر مجلس الوزراء ترتيبات تتعلق بتفعيل دور الهيئة العامة للطيران المدني كجهة تشريعية مستقلة وذلك بالفصل التام بين مسئولياتها من جهة ومجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية من جهة أخرى، وفي 11/4/1438هـ صدر المرسوم الملكي الكريم رقم (17049) الذي قضى بفصل الجانب التشريعي عن الجانب التشغيلي في الهيئة العامة للطيران المدني، بغية تمكينها من تعميق دورها كمشرع ومنظم لصناعة النقل الجوي في المملكةِ، ومن ثم الوقوف على مسافةٍ واحدةٍ من كافةِ المشغلين والعاملين في هذا القطاع.
محطات بارزة في مسيرة الطيران في عهد الملك سلمان
لقد بلغت مسيرة الطيران المدني ذروتها في عهد حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين (حفظهما الله) التي أولت قطاع الطيران المدني اهتماماً كبيراً، ليتمكن من مواكبة ما شهدته صناعة الطيران المدني عالمياً من تطورات مضطردة.. ولا يمكن اختزال ما تحقق خلال تلك الفترة في هذه الأسطر، لكن على سبيل المثال لا الحصر، تم إعداد الخطط اللازمة لتطوير شبكة مطارات المملكة لاستيعاب الزيادة المضطردة في عدد المسافرين ورفع مستوى الخدمات على النحو المنشود، الأمر الذي سيسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م، ومضت الهيئة في تنفيذ تلك الخطط، وعليه فإن جميع مطارات المملكة إما تم تطويرها وفق مشاريع نفذت، وإما تشهد في الوقت الراهن تنفيذ مشاريع تطويرية، أو يجرى إعداد مخططاتها العامة تمهيدا لتنفيذ مشاريع لها.. وتتفاوت تلك المشاريع في حجمها وفقا لحجم الطلب، ومن تلك المشاريع ما هو لمطارات جديدة بالكامل، مثل مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد الذي يعد من مشاريع الدولة العملاقة، كما افتتح الملك سلمان حفظه الله في عام 2015 مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي الجديد، وقبل أشهر قليلة تم إنشاء وتشغيل مطار خليج نيوم الذي سيسهم في دعم ما ستشهده منطقة نيوم من تطورات ومشاريع عملاقة، ومن ثم أصبح مجموع المطارات المدنية في المملكة (28) مطارا، وخلال السنوات القليلة الماضية، تم الترخيص لعدد من شركات الطيران المدني الوطنية الجديدة ليصبح عددها (5) ناقلات وهي (الخطوط الجوية السعودية، طيران ناس، السعودية الخليجية، طيران نسما، طيران اديل) وقد أسهمت هذه الخطوة في توفير المزيد من خيارات السفر وتحقيق أسعار أفضل للمواطنين.
تطور الحركة الجوية في مطارات المملكة:
تمثل إحصائيات الحركة الجوية في مطارات المملكة أحد مؤشرات التقدم والتطور الذي شهده قطاع الطيران المدني خلال مسيرته، وباستعراض سريع لتلك الإحصائيات نجد أن عدد المسافرين في مطارات المملكة في عام 1975م اقتصر على (3,31) مليون مسافر، ليرتفع في عام 1985 إلى (22,56) مليون مسافر، ليصعد في عام 1995 ليصل إلى (24,95) مليون مسافر، وفي عام 2005 بلغ (36,61) مليون مسافر، فيما بلغ عام 2015 (81,86) مليون مسافر، إلا أنه قفز في عام 2018 ليبلغ نحو (100) مليون مسافر.
 

صورة ذات علاقة