مجلة الطيران.. مسيرة أكثر من 30 عاما أثمرت 94 عدداً


4 فبراير 2020
 
تعد مجلة الطيران المدني، التي تصدرها الهيئة العامة للطيران المدني في المملكة العربية السعودية، أول مجلة متخصصة في مجال الطيران المدني تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، وقد امتدت مسيرتها لما يربو عن 30 عاماً أثمرت 94 عددا، آخذة على عاتقها المساهمة في نشر الوعي والثقافة بصناعة الطيران المدني والعلوم ذات العلاقة، وإبراز جهود وإنجازات المملكة في مجالات الطيران المدني كافة، كما حرصت المجلة على رصد المراحل التاريخية لصناعة الطيران المدني منذ بداياته مع بداية القرن العشرين وحتى العصر الحالي.. واستهدفت متابعة التطورات التقنية التي تشهدها صناعة الطيران المدني على المستوى العالمي.
 
فعلى الصعيد المحلي تناولت إصدارات المجلة، مسيرة الطيران المدني في المملكة وأبرز معالمها منذ بدايتها مرورا بالتطورات التي شهدتها، حتى بلغت ذروتها الحضارية في الوقت الراهن..
 
لقد صدر عدد المجلة الأول في جمادي الأولى من عام 1408هـ، وضمت الأعداد الأولى موضوعات عن بدايات الطيران المدني في المملكة، جاء فيها أن أول هبوط في أول مدرج للطائرات المدنية في المملكة كان في عام 1352هـ (1934م) وقد أنشأته أرامكو على رقعة من الأرض الصحراوية بالقرب من الجبيل، وخصص المدرج لهبوط واقلاع الطائرات العاملة في مجال التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية، كما سلط العدد الضوء على أول رحلة جوية مدنية للحجاج وكان ذلك في عام 1355هـ (1937م) وقد نظمتها آنذاك الخطوط المصرية، وضم العدد الأول العديد من الموضوعات منها مستقبل الطيران المدني في عام ألفين،  وآخر عن الاستحواذ على التكنولوجيا، وثالث عن تجربة  نجاح هيئة المطارات البريطانية.
 
كما استعرضت المجلة دور الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله) في وضع اللبنات الأولى للطيران المدني في المملكة.. الذي أدرك بثاقب فكره واستشرافه للمستقبل أن توحيد بلد تزيد مساحته عن 2 مليون كلم2، وتشكل الصحاري والجبال 95% من أراضيه، أمر يتطلب وسائل مواصلات حديثة وسريعة تربط مختلف أرجاء البلاد المترامية الأطراف بعضها ببعض ومن ثم بالعالم الخارجي.. بالإضافة إلى أهمية الطيران المدني كعنصر أساسي لمستلزمات النهضة التي ينشدها للبلاد.. وانطلاقا من تلك القناعة جاء اهتمام الملك عبد العزيز رحمه الله بقطاع الطيران المدني في المملكة..
 
وتناولت المجلة الكثير من المحطات البارزة من تلك البدايات التي كان من بينها وصول الطائرة المدنية من طراز (داكوتا دي سي3) من إنتاج شركة دوجلاس الأمريكية إلى أرض المملكة، وتحديداً في مدينة جدة، في 14/4/1945 وكانت هدية من الرئيس الأمريكي روزفلت للملك عبد العزيز رحمه الله، الذي قام بدوره بإهداء هذه الطائرة إلى شعب المملكة والتي بدأت برحلات داخلية بين الرياض وجدة والظهران، وبعد أشهر قليلة من وصول تلك الطائرة أمر رحمه الله بشراء طائرتين أخريين من نفس الطراز، وشكلت الطائرات الثلاث النواة الأولى للطيران المدني في البلاد، كما أمر الملك عبد العزيز بإنشاء العديد من المدارج الترابية في أنحاء مختلفة من المملكة، كان في مقدمتها مدارج في الرياض والظهران والحوية بالطائف والهفوف وبريدة وجازان والخرج وعفيف، وقد شكل البعض منها مطارات ذات مرافق بسيطة، سيرت منها وإليها الخطوط السعودية رحلات جوية، ومن ثم تأسست إدارة باسم (شعبة الطيران) تشرف على الشئون الفنية، أما الشئون الإدارية فتأسس لها إدارة باسم (إدارة طائرات الخطوط الجوية).
 
كما تناولت العديد من إصدارات المجلة قصص بدايات إنشاء عدد من مطارات المملكة ومراحل تطورها مثل مطار عرعر، الذي تم إنشاؤه في عام ۱۳۹۸هـ الموافق 1944م الذي سمي في ذلك الوقت (مطار بدنة)، ومطار بيشة الذي استقبل أول رحلة عام 1374م وكانت لطائرة داكوتا وعلى متنها الملك سعود رحمه الله، وقد بدأ المطار بخيمة واحدة للقادمين والمسافرين. وبعد هذه الزيارة أمر رحمه الله بإنشاء مطار حديث في بيشة وتسيير رحلات للمنطقة (كأول مطار في المنطقة الجنوبية).
 
ولأهمية الصور في التوثيق والتأريخ، نشرت المجلة في بعض أعدادها مجموعة صور للطائرات التي كانت تمتلكها المملكة إبان بداية عهد الطيران السعودي، منها طائرة الملك عبد العزيز (داكوتا دي سي3)، فيما استعرضت تطور شراء المملكة للطائرات واستخداماتها مثل طائرة "بريستول170" التي دخلت الخدمة في أواخر الأربعينات الميلادية واستخدمت في رحلات بين الرياض وجدة والظهران وطريف، وطائرة "دوغلاس دي سي _6" التي دخلت الخدمة في الستينات الميلادية واستخدمت في رحلات داخلية ودولية، وطائرة "كونفير340" التي اشترتها المملكة في الخمسينات الميلادية وكانت تتسع لـ 44 راكباً. 
 
ولم تغفل المجلة التطور التنظيمي والتشريعي الذي شهده قطاع الطيران المدني في المملكة، إذ تطرقت إلى أول أنظمة طيران صدرت وفي مقدمتها (نظام تعريفة رسوم المطارات ونظام الهبوط وعبور الطائرات ونظام إنشاء المطارات ونظام الملاحة الجوية) وذلك في عام 1946م، وتأسيس (مصلحة الطيران المدني) في عام 1948م لتضم كلا من الخطوط السعودية وإدارة الطيران المدني، ونظام الطيران المدني الشامل الذي صدر في عام  1953م، وفصل الخطوط السعودية عن الطيران المدني في عام 1959م الموافق 1379هـ ليصبح المسمى الجديد للمصلحة (مديرية الطيران المدني)، وتغيير مسمى (مديرية الطيران المدني) إلى (رئاسة الطيران المدني) في عام 1977م الموافق 1397هـ، وتحويل رئاسة الطيران المدني إلى هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري لتعمل وفق أسس ومعايير تجارية، ليصبح مسماها الجديد (الهيئة العامة للطيران المدني) وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الذي صدر في عام (1425هـ) (2004م)، إلى أن صدر أمر ملكي قضى بفصل الهيئة العامة للطيران المدني عن وزارة الدفاع وإعادة رسم هيكلتها  في عام 1432هـ (2011م).
 
وفي مجال سعيها لتغطية وإبراز إنجازات قطاع الطيران المدني في المملكة خصصت المجلة الكثير من موضوعات أغلفتها للعديد من المشاريع الإنشائية والتطويرية التي شهدتها مطارات المملكة، مثل مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد، ومشروع مطار الملك عبد الله بجازان ومشروع مطار الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز بينبع ومشروع مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز بالعلا، ومشروع مطار الدوادمي.
وعلى الصعيد العالمي كان من ضمن ما استعرضته إصدارات المجلة المحاولات الأولى للتحليق والتي تلتها جهود الأخوين رايت في عام 1903، حيث قاما بتصنيع أو طائرة عرفتها البشرية، ليلي ذلك مراحل صناعة الطائرات المتعددة التي أسهمت مخرجاتها بشكل كبير في الحرب العالمية الأولى.. إلى أن ظهرت خدمات النقل الجوي المنتظم في عام 1919 ليعرف العالم بعد ذلك طائرات ركاب بوسعها عبور القارة الأمريكية والطيران بين أرجائها وبين أنحاء أوروبا وأخرى كان بوسعها عبور المحيط الأطلنطي، وكانت أبرز شركات النقل الجوي الرائدة في ذلك الوقت   TWA، وأمريكان وايسترن، وبان أميركان، والخطوط الجوية الملكية  KLM .
 
وللاستفادة من تجارب المطارات العالمية الناجحة خصصت المجلة موضوعات أغلفة الكثير من أعدادها للعديد من تلك المطارات، مثل مطار ميامي ومطار بجين ومطار انشيون ومطار لوس أنجلوس ومطار فانكوفر، فيما خصصت المجلة موضوعات أغلفة العديد من أعدادها لتجارب ناقلات جوية حققت نجاحات بارزة مثل شركات لوفتهازا ودلتا وساوث ويست والخطوط البريطانية.
 
وعلى صعيد تكنولوجيا الطيران وتقنياته تابعت أغلب أعداد المجلة جوانب عديدة مما تشهده صناعة الطيران المدني من تطورات، مثل الطائرات العملاقة التي غيرت شكل الطيران والمطارات (الإيرباص A380 و البوينج B747) والتكنولوجيا الحديثة في أنظمة الملاحة الجوية وأثرها في استيعاب الحركة الجوية المتزايدة في أجواء العالم، والتقنيات الحديثة في مجال المراقبة الجوية والأساليب الحديثة لتجنب مخاطر اصطدام الطائرات بالطيور وغير ذلك من موضوعات.
 
 وبالإضافة إلى تكنولوجيا الطيران كان من بين أبرز الموضوعات التي تناولتها مقالات وتقارير المجلة عبر مشوارها الطويل، أمن وسلامة الطيران المدني، والتحالفات التسويقية بين شركات الطيران، وسياسة الأجواء المفتوحة، والتعاون الدولي في مجال الطيران المدني، والمكانة الرفيعة التي تتبوأها المملكة في محافل الطيران المدني الدولية، وأهمية سياسية التخصيص في الطيران المدني، واستهلاك وقود الطائرات، وحماية البيئة من الآثار السلبية الناجمة عن أنشطة الطيران المدني، والموارد البشرية في مجالات الطيران المدني، وإحصائيات الحركة الجوية وتطورها في المملكة وغيرها من الدول، وخدمات الإطفاء والإنقاذ في المطارات، والشحن الجوي، واقتصاديات صناعة النقل الجوي، والأنظمة والتشريعات المتعلقة بالطيران المدني، وجودة الخدمات وحماية العملاء، وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وخدمة ضيوف الرحمن، والقضايا المتعلقة بالطيران المدني في المحاكم. 
 
وخلال مسيرة المجلة التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، ساهم بالكتابة في أعدادها التي صدرت حتى تاريخه (94 عددا) متخصصون وأكاديميون وأساتذة بارزون في مجال الطيران المدني ليس فقط على مستوى المملكة فحسب بل على المستويين العربي والعالمي، ولذلك يمكن القول بإن ما نشر في المجلة تم تناوله بحرفية وكفاءة عالية.


صورة ذات علاقة